كيف يبدأ بناء الأسرة المسلمــــة
الأسرة ذلك البناء الانساني الشامخ الذي يقوم على اُسس قانونية وروابط
إنسانية، وأخرى غريزية طبيعية، هذا البناء الانساني الخطير مهّد الاسلام
لقيامه بخطوات تحضيرية أساسية، واُخرى بنائية، فأمّا التحضيرية فهي:
أ ـ الحثّ على الزواج وتيسيره- كما بيّنا - ولا حاجة بنا لاعادة الحديث.
ب- كيفية الاختيار؛ اختيار الزوج والزوجة، ونظراً لما لهذا الجانب من
أثر وخطورة على حياة كل من الزوجين، ومستقبل الأسرة والأبناء لذلك فقد
اعتنى به الاسلام عناية فائقة، وثّبت الأسس والمواصفات الأخلاقية والجسدية
والسلوكية الحميدة التي حبّب لكّل من الزوجين انتخابها، واختيار الزوج الذي
يتمتّع بها، كما دعاه من جهة اُخرى الى كراهية بعض الصفات الذميمة ودعاه
الى الابتعاد عن الاقتران بمن كان مصاباً بها.
فقد دعا الاسلام الرجل الى اختيار المرأة العفيفة الودود الولود، ذات
الخلق والدين والتربية الصالحة، التي تنتمي الى اسرة عرفت بالشرف والعفّة
وحسن الخلق وتتمتّع بشخصية محترمة في أسرتها، وأهلها، والى جانب هذه القيم
والمواصفات الانسانية لم يرفض الاسلام العناية بعنصر الجمال، وحسن المظهر،
والخصائص الجسدية المحببّة في المرأة، إلا أنّه دعا الى عدم تفضيل هذه
الخصائص والصفات على الصفات الأخلاقية والسلوكية، بل جعلها بالمرتبة
الثانية من مواصفات الزوج والزوجة الصالحة (68). وتشرق السنّة النبوية
بعناوين كثيرة، وتزخر بأحاديث جليلة، تتحدّث عن هذا الجانب الخطير في كل من
المرأة والرجل.نذكر منها قول رسول الله الكريم:
[ايّاكم وخضراءالدمن،فقيل:يا رسول اللهما خضراء الدمن؟قال:المرأة الحسناء في منبت السوء](69).
[ إختاروا لنطفكم، فان الخال أحد الضجيعين (70)](71).
[ انكح، وعليك بذات الدين تربت يداك (72)] (73).
[ إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع
بعلها، المتبرجّة مع زوجها الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره،
وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذّل الرجل](74).
وروي عن رسول الله (ص) انّه قال:
[ من تزوج امرأة لمالها وكّله الله إليه، ومن تزوجّها لجمالها رأى فيها ما كره، ومن تزوّجها لدينها جمع الله له ذلك] (75).
وأوضح الامام الصادق (ع) ذلك في حديث آخر:
[ إذا تزوجّها لدينها رزقه الله المال والجمال] (76).
وكما أوضح للرجل المعالم الأساسية لكيفية اختيار الزوجة،حدّد للمرأة
كذلك خصائص الزوج وسماته الانسانية:سئل الامام محمدالباقر(ع)عن تزويج
المرأة فقال:[قال رسول الله(ص):إذا جاءكم من ترضون
خلقه ودينه فزوّجوه، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير].
وقال رسول الله (ص): [ شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب] (77).
وكتب الحسين بن بشّار الواسطي للامام علي بن موسى الرضا (ع) يقول: [ ان
لي قرابة قد خطب إليّ، وفي خلقه سوء، قال: ( لا تزوّجه أن كان سيئ الخلق]
(78).
أمّا الخطوة الثانية من خطوات تكوين الاسرة فهي الخطوة البنائية- بناء الاسرة - وتتّم بانشاء عقد الزواج بين الرجل والمرأة.
وعقد الزواج ( هو اتّفاق بين رجل وامرأة محلّلة، يبيح لكل واحد منهما الاستمتاع بالطرف الآخر).
ولا تنعقد العلاقة الزوجية، ولا يتّم العقد إلا بعد رضى الطرفين - الرجل والمرأة - فرضى الطرفين هما ركنا العقد، وبهما يتقوّم ويكون.
وممّا تجدر الاشارة إليه هنا: هو أن المرأة هي التي تنشئ العقد، أو من
يمثّلها، وليس الرجل، فهي التي تزوّج نفسها، فمنها الايجاب ومنه القبول
والموافقة - وهي التي تحدّد المهر- مقدار المال الذي يقع عليه عقد الزواج
ولها أن تشترط شروطاً إضافية على زوجها غير حقوق الزوجية التي ينصّ عليها
القانون الاسلامي، كما للرجل أيضاً أن يشترط شروطاً إضافية على زوجته شريطة
أن لا يخالف كلّ واحد منهما مبدأ شرعياً مقررّاً.
ويتّم إنشاء عقد الزواج بالصيغة التالية: تقول المرأة للرجل: زوجتّك
نفسي بمهر قدره مائة دينار (مثلاً) فيجيب الرجل من فوره: ( قبلتُ).
فإذا نطقت المرأة أو من يمثّلها بصيغة العقد وأبدى الرجل أو من يمثّله
قبوله، تمّ عقُد الزواج بين الرجل والمرأة وقامت العلاقة الزّوجية بينهما،
وأبيح لكلّ واحد منهما من الآخر ما كان محرّماً عليه قبل العقد، وشرّع لهما
بناء الاسرة والعلاقات الاسرية، لأنّ العقد تعبير كاشف عن إرادة الطرفين،
ومترجم عن رضاهما، ورغبتهما في الاقتران والنكاح وبناء الاسرة. وهكذا تكون
عملية الزواج عملية رضى وتطابق بين إرادة الرجل والمرأة، ولا ينعقد عقد
الزواج ولا تقوم العلاقة الشرعية بينهما بالاكراه، أو بفقدان الارادة
والرضى، لأن الزّوجية بمعناها الكوني لا تتحقّق إلا بالتطابق النفسي
والارادي بين الرجل والمرأة.